فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وثانيها: أن المحتسب أن يذكر في مقدمة الدعاء عجز النفس وضعفها كما في قوله تعالى عنه: {وَهَنَ العظم مِنّى واشتعل الرأس شَيْبًا} [مريم: 4] ثم يذكر كثرة نعم الله على ما في قوله: {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبّ شَقِيًّا} [مريم: 4].
وثالثها: أن يكون الدعاء لأجل شيء متعلق بالدين لا لمحض الدنيا كما قال: {وَإِنّي خِفْتُ الموالى مِن وَرَائِى} [مريم: 5].
ورابعها: أن يكون الدعاء بلفظ يا رب على ما في هذا الموضع.
الفائدة الثانية: ظهور درجات زكريا ويحيى عليهما السلام أما زكريا فأمور: أحدها: نهاية تضرعه في نفسه وانقطاعه إلى الله تعالى بالكلية.
وثانيها: إجابة الله تعالى دعاءه.
وثالثها: أن الله تعالى ناداه وبشره أو الملائكة أو حصل الأمران معًا.
ورابعها: اعتقال لسانه عن الكلام دون التسبيح.
وخامسها: أنه يجوز للأنبياء عليهم السلام طلب الآيات لقوله رب اجعل لي آية.
الفائدة الثالثة: كونه تعالى قادرًا على خلق الولد وإن كان الأبوان في نهاية الشيخوخة ردًا على أهل الطبائع.
الفائدة الرابعة: صحة الاستدلال في الدين لقوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا} [مريم: 9].
الفائدة الخامسة: أن المعدوم ليس بشيء والآية نص في ذلك فإن قيل المراد ولم تك شيئًا مذكورًا كما في قوله تعالى: {هَلْ أتى عَلَى الإنسان حِينٌ مّنَ الدهر لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} [الإنسان: 1] قلنا: الإضمار خلاف الأصل وللخصم أن يقول الآية تدل على أن الإنسان لم يكن شيئًا ونحن نقول به لأن الإنسان عبارة عن جواهر متألفة قامت بها أعراض مخصوصة والجواهر المتألفة الموصوفة بالأعراض المخصوصة غير ثابتة في العدم إنما الثابت هو أعيان تلك الجواهر مفردة غير مركبة وهي ليست بإنسان فظهر أن الآية لا دلالة فيها على المطلوب.
الفائدة السادسة: أن الله تعالى ذكر هذه القصة في سورة آل عمران وذكرها في هذا الموضع فلنعتبر حالها في الموضعين فنقول: الأول: أنه تعالى بين في هذه السورة أنه دعا ربه ولم يبين الوقت وبينه في آل عمران بقوله: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المحراب وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا قَالَ يامريم أنى لَكِ هذا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ الله إنَّ الله يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبّ هَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيّبَةً} [آل عمران: 37، 38] والمعنى أن زكريا عليه السلام لما رأى خرق العادة في حق مريم عليها السلام طمع فيه في حق نفسه فدعا.
الثاني: وهو أن الله تعالى صرح في آل عمران بأن المنادي هو الملائكة لقوله: {فَنَادَتْهُ الملئكة وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّى في المحراب} [آل عمران: 39] وفي هذه السورة الأظهر أن المنادي بقوله: {يازكريا إِنَّا نُبَشّرُكَ} [مريم: 7] هو الله تعالى وقد بينا أنه لا منافاة بين الأمرين.
الثالث: أنه قال في آل عمران: {أنى يَكُونُ لِي غلام وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر وامرأتى عَاقِرٌ} [آل عمران: 40] فذكر أولًا كبر نفسه ثم عقر المرأة وهو في هذه السورة قال: {أنى يَكُونُ لِى غلام وَكَانَتِ امرأتى عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيًّا} [مريم: 8] وجوابه أن الواو لا تقتضي الترتيب.
الرابع: قال في آل عمران: {وَقَدْ بَلَغَنِي الكبر} وقال هاهنا وقد بلغت من الكبر وجوابه أن ما بلغك فقد بلغته.
الخامس: قال في آل عمران: {آيتك أَلاَّ تُكَلّمَ الناس ثلاثة أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا} [آل عمران: 41] وقال ههنا: {ثلاث لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] وجوابه: دلت الآيتان على أن المراد ثلاثة أيام بلياليهن، والله أعلم.
القصة الثانية: قصة مريم وكيفية ولادة عيسى عليه السلام اعلم أنه تعالى إنما قدم قصة يحيى على قصة عيسى عليهما السلام لأن خلق الولد من شيخين فانيين أقرب إلى مناهج العادات من تخليق الولد لا من الأب ألبتة وأحسن الطرق في التعليم والتفهيم الأخذ من الأقرب فالأقرب مترقيًا إلى الأصعب فالأصعب. اهـ.

.قال الجصاص:

قَوْله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ}.
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الْمِحْرَابُ صَدْرُ الْمَجْلِسِ، وَمِنْهُ مِحْرَابُ الْمَسْجِدِ.
وَقِيلَ: إنَّ الْمِحْرَابَ الْغُرْفَةُ، وَمِنْهُ قَوْله تعالى: {إذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} وَقِيلَ: الْمِحْرَابُ الْمُصَلَّى.
وقوله تعالى: {فَأَوْحَى إلَيْهِمْ} قِيلَ فِيهِ: إنَّهُ أَشَارَ إلَيْهِمْ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ، فَقَامَتْ الْإِشَارَةُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مَقَامَ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّهَا أَفَادَتْ مَا يُفِيدُهُ الْقَوْلُ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إشَارَةَ الْأَخْرَسِ مُعَوَّلٌ عَلَيْهَا قَائِمَةٌ فِيمَا يَلْزَمُهُ مَقَامَ الْقَوْلِ.
وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْفُقَهَاءُ أَنَّ إشَارَةَ الصَّحِيحِ لَا تَقُومُ مَقَامَ قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي الْأَخْرَسِ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَادَةِ وَالْمِرَانِ وَالضَّرُورَةِ الدَّاعِيَةِ إلَيْهَا قَدْ عُلِمَ بِهَا مَا يُعْلَمُ بِالْقَوْلِ، وَلَيْسَ لِلصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ فَيُعْمَلُ عَلَيْهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ فَأَوْمَأَ وَأَشَارَ بِوَصِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ جَارِيَةٌ بِذَلِكَ حَتَّى يَكُونُ فِي مَعْنَى الْأَخْرَسِ. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تعالى: {يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الأُولَى:
قَدْ بَيَّنَّا الْحِكْمَةَ وَالْحُكْمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْكُتُبِ، وَأَوْضَحْنَا وُجُوهَهَا ومُتَصَرَّفاتِها ومُتَعَلَّقاتِها كُلَّهَا. وَأَجَلُّهَا مَرْتَبَةُ النُّبُوَّةِ.
المسألة الثَّانِيَةُ:
فِي الْمُرَادِ بِالْحُكْمِ هَاهُنَا: وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: الْوَحْيُ.
وَالثَّانِي: النُّبُوَّةُ.
وَالثَّالِثُ: الْمَعْرِفَةُ وَالْعَمَلُ بِهَا.
وَهَذَا كُلُّهُ مُحْتَمَلٌ يَفْتَقِرُ إلَى تَحْقِيقٍ؛ فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْوَحْيُ فَجَائِزٌ أَنْ يُوحِيَ اللَّهُ إلَى الصَّغِيرِ، وَيُكَاشِفَهُ بِمَلَائِكَتِهِ وَأَمْرِهِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْمُكَاشَفَةُ نُبُوَّةً غَيْرَ مَهْمُوزَةٍ رِفْعَةً وَمَهْمُوزَةً إخْبَارًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُرْسِلَهُ إلَى الْخَلْقِ كَامِلَ الْعَقْلِ وَالْعِلْمِ مُؤَيَّدًا بِالْمُعْجِزَةِ، وَلَكِنْ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ خَبَرٌ، وَلَا كَانَ فِيمَنْ تَقَدَّمَ.
وَقَوْلُ عِيسَى: {إنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}.
إخْبَارٌ عَمَّا وَجَبَ لَهُ حُصُولُهُ، لَا عَمَّا حَصَلَ بَعْدُ.
وَأَمَّا الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ فَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}.
قَالَ عِيسَى: أُوصِيكُمْ بِالْحِكْمَةِ، وَالْحِكْمَةُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ هِيَ طَاعَةُ اللَّهِ، وَالِاتِّبَاعُ لَهَا، وَالْفِقْهُ فِي الدِّينِ وَالْعَمَلُ بِهِ، وَقَالَ: وَيُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّك تَجِدُ الرَّجُلَ عَاقِلًا فِي أَمْرِ الدُّنْيَا ذَا بَصَرٍ فِيهَا، وَتَجِدُ آخَرَ ضَعِيفًا فِي أَمْرِ دُنْيَاهُ عَالِمًا بِأَمْرِ دِينِهِ بَصِيرًا بِهِ، يُؤْتِيهِ اللَّهُ إيَّاهُ، وَيَحْرِمُهُ هَذَا، فَالْحِكْمَةُ الْفِقْهُ فِي دِينِ اللَّهِ.
وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ قَوْله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} قَالَ: الْمَعْرِفَةُ وَالْعَمَلُ بِهِ.
انْتَهَى قَوْلُ مَالِكٍ.
وَفِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ أَنَّهُ قِيلَ لِيَحْيَى، وَهُوَ صَغِيرٌ: أَلَا تَذْهَبُ نَلْعَبُ؟ قَالَ: مَا خُلِقْت لِلَّعِبِ. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {اجْعَل لِّي ءَايَةً}.
أي علامة وفيها وجهان:
أحدهما: أنه سأل الله آية تدله على البشرى بيحيى منه لا من الشيطان لأن إبليس أوهمه ذلك، قاله الضحاك.
الثاني: سأله آية تدله على أن امرأته قد حملت.
{قَالَ ءَايَتُكَ أَلاَّ تُكلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} فيه وجهان:
أحدهما: أنه اعتقل لسانه ثلاثًا من غير مرض وكان إذا أراد أن يذكر الله انطلق لسانه وإذا أراد أن يكلم الناس اعتقل، وكانت هذه الآية، قاله ابن عباس.
الثاني: اعتقل من غير خرس، قاله قتادة والسدي.
{سَوِيًّا} فيه تأويلان:
أحدهما: صحيحًا من غير خرس، قاله قتادة.
الثاني: ثلاث ليال متتابعات، قاله عطية، فيكون السوي على الوجه الأول راجعًا إلى لسانه، وعلى الثاني إلى الليالي.
قوله تعالى: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْرَابِ} قال ابن جريج أشرف على قومه من المحراب. وفي {الْمِحْرَابِ} وجهان:
أحدهما: أنه مصلاة، قاله ابن زيد.
الثاني: أنه الشخص المنصوب للتوجه إليه في الصلاة.
وفي تسميته محرابًا وجهان:
أحدهما: أنه للتوجه إليه في صلاته كالمُحَارِب للشيطان صلاته.
الثاني: أنه مأخوذ من منزل الأشراف الذي يحارب دونه ذبًا عن أهله فكأن الملائكة تحارب عن المصلي ذبًا عنه ومنعًا منه.
{فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشيًّا} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أوصى إليهم، قاله ابن قتيبة.
الثاني: أشار إليهم بيده، قاله الكلبي.
الثالث: كتب على الأرض. والوحي في كلام العرب الكتابة ومنه قول جرير:
كأن أخا اليهود يخط وحيًا ** بكافٍ من منازلها ولام

{أَنَ سَبِّحُواْ بُكْرَةً وَعَشِيًّا} أي صلواْ بكرة وعشيًا، قاله الحسن وقتادة، وقيل للصلاة تسبيح لما فيها من التسبيح.
قوله تعالى: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ}.
وفي قائله قولان:
أحدهما: أنه قول زكريا ليحيى حين نشأ.
الثاني: قول الله ليحيى حين بلغ.
وفي هذا {الْكِتَابَ} قولان:
أحدهما: صحف إبراهيم.
الثاني: التوراة.
{بِقُوَّةٍ} فيه وجهان:
أحدهما: بجد واجتهاد، قاله مجاهد.
الثاني: العمل بما فيه من أمر والكف عما فيه من نهي، قاله زيد بن أسلم.
{وَءَاتَينَاهُ الْحُكُمَ صَبِيًّا} فيه أربعة أوجه:
أحدها: اللب، قاله الحسن.
الثاني: الفهم، قاله مقاتل.
الثالث: الأحكام والمعرفة بها.
الرابع: الحكمة. قال معمر: إن الصبيان قالوا ليحيى إذهب بنا نلعب فقال ما للعب خلقت، فأنزل الله {وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}. قاله مقاتل وكان ابن ثلاث سنين.
قوله تعالى: {وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا} فيه ستة تأويلات:
أحدها: رحمة من عندنا، قاله ابن عباس وقتادة، ومنه قول الشاعر:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا ** حنانيكَ بعض الشر أهون من بعض

أي رحمتك وإحسانك.
الثاني: تعطفًا، قاله مجاهد.
الثالث: محبة، قاله عكرمة.
الرابع: بركة، قاله ابن جبير.
الخامس: تعظيمًا.
السادس: يعني آتينا تحننًا على العباد.
ويحتمل سابعًا: أن يكون معناه رفقًا ليستعطف به القلوب وتسرع إليه الإِجابة {وَزَكَاةً} فيها هنا ثلاثة تأويلات:
أحدها: أنها العمل الصالح الزاكي، قاله ابن جريج.
الثاني: زكيناه بحسن الثناء كما يزكي الشهود إنسانًا.
الثالث: يعني صدقة به على والديه، قاله ابن قتيبة. {وَكَانَ تَقِيًّا} فيه وجهان:
أحدهما مطيعًا لله، قاله الكلبي. الثاني: بارًا بوالديه، قاله مقاتل. اهـ.

.قال ابن عطية:

قال زكرياء {رب اجعل لي آية}.
علامة أعرف بها صحة هذا وكونه من عندك. وروي أن زكرياء عليه السلام لما عرف ثم طلب الآية بعد ذلك عاقبه الله تعالى بأن أصابه بذلك السكوت عن كلام الناس، وذلك وإن لم يكن عن مرض خرس أو نحوه ففيه على كل حال عقاب. ما روي عن ابن زيد أن زكرياء لما حملت زوجته منه يحيى أصبح لا يستطيع أن يكلم احدًا، وهو مع ذلك يقرأ التوراة ويذكر الله، فإذا أراد مقاولة أحد لم يطقه، ويحتمل على هذا أن يكون قوله: {اجعل لي آية} معناه علامة أعرف بها أن الحمل قد وقع، وبذلك فسر الزجاج. ومعنى قوله: {سويًا} فيما قال الجمهور صحيحًا من غير علة ولا خرس، وقال ابن عباس أيضًا ذلك عائد على (الليالي) أراد كاملات مستويات، وقوله: {فخرج على قومه} المعنى أن الله تعالى أظهر الآية بأن خرج زكرياء من محرابه وهو موضع مصلاة، و{المحراب} أرفع المواضع والمباني اذ هي تحارب من ناوأها ثم خص بهذا الاسم مبنى الصلاة، وكانوا يتخذونها فيما ارتفع من الأرض، واختلف الناس في اشتقاقه، فقالت فرقة: هو مأخوذ من الحرب كأن ملازمة يحارب الشيطان والشهوات، وقالت فرقة: هو مأخوذ من الحرَب بفتح الراء كأن ملازمه يلقى منه حربًا وتعبًا ونصبًا، وفي اللفظ بعد هذا نظر، وقوله: {فأوحى} قال قتادة وابن منبه: كان ذلك بإشارة، وقال مجاهد: بل بأن كتبه في التراب.